الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مراسلة خاصة من فرنسا: 4 ملاحظات حول مهرجان كان السينمائي

نشر في  11 ماي 2016  (15:48)

بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان 

تحت وابل من الإعلانات والأخبار المتفرقة - بدأ قبل افتتاح الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي بكثير- لست أدري كيف يمكن للنقاد أن يميزوا بين الغث والسمين ولا حتى أن يجدوا الوقت للإطلاع على تفاصيل فعاليات الدورة.

أعتقد أن أصحاب القرار يعلمون جيدا الإرباك الذي يضعون فيه المُـتابعَ فالمسألة ليست أو لم تعد مسألة تمييز أو نقد (في معناه العربي) فبغض النظر على عدد الجمهور وتعدد حاجياته، فمهما يكن موقعك (المهني والفكري) من المهرجان أنت بالضرورة متلق لخبر ما أحببتَ أم كرهتَ.

أكيد لستُ حالة يقاس عليها ولكن لم أفهم ما حصل لي:
تقدمت لشباك الاستقبال كغيري من الوافدين بعد انتظار غير معهود بسبب المراقبة الأمنية، تحصلتُ على الوثائق المعتادة، توجهت مباشرة إلى الفضاء المخصص للصحافة، فتّـشتُ في الحقيبة التي سُلمت لي، وجدت كالعادة الكاتالوغ الرسمي وهو بمثابة الدليل يعـرّف بفعاليات الدورة وخصوصياتها وبالبرنامج الرسمي الذي يحمل قائمة الأفلام المندرجة في الأقسام الرسمية أي المسابقة الرسمية ونظرة ما وقسم العروض الخاصة، وجدتُ أيضا ملحق جريدة لوموند الخاصة بمهرجان كان، وهو أصبح عرفا ولكن لم أجد البرنامج المفصل للعروض، فتعجبت من أمري حتى أني توجهت لمصلحة الصحافة طالبا منهم نسخة وكانوا متفهمين لدهشتي فمدوني بذلك والرأفة بادية على وجوههم.

وابل من الإعلانات والأخبار المتفرقة أربكتني، وما زاد في ارباكي هو الخلط بين التفاصيل التجارية والدعائية من ناحية وتلك التي تتعلق بمحتوى المهرجان…

لنذهب للمسائل الأساسية :
-21 شريطا طويلا في المسابقة الرسمية
-18 شريطا طويلا في « نظرة ما » آن سرتان ريغار
-16 شريطا طويلا خارج المسابقة بين حصص ليلية وحصص خاصة وأخرى وهي في الواقع 17 إذا أضفنا فيلم وودي آلن الفاتح للمهرجان
-10أشرطة قصيرة في المسابقة الرسمية
-16 مشروعا يعرض على المهنيين في قسم سينيفنداسيون و18 فلما قصيرا  لخرجي عدد من المدارس السينمائية
-39 شريطا طويلا من الأعمال المشهورة في قسم سيني كلاسيكس
-10 أفلام طويلة في قسم سينما الشاطئ تعرض في الهواء الطلق وهي مختارة من بين أعمال مشهورة وشعبية.

هذا طبعا في ما يخص البرنامج الرسمي للمهرجان، ولكن من المعلوم أن هناك أقسام موازية للبرمجة الرسمية لا تقل أهمية على ما ذكرناه ومن أهمها خمسة عشرة يوما للمخرجين « لاكانزان دي رياليزاتور » وأسبوع النقد، ويحتوي قسم « لاكنزان » على :
18 شريطا طويلا
و11 شريطا قصيرا
أما « أسبوع النقد » فيحتوي على:
15شريطا طويلا منها 7 في المسابقة والبقية تعرض في حصص خاصة
و10 أشرطة قصيرة
كما يمكن بل يجب ذكر برمجة « لاسيد » أي جمعية السينما المستقله من أجل توزيعها وهي 9أشرطة طويلة أي عدد جملي يتجاوز 260 شريطا ما يدل على ضخم التظاهرة.

هذا في ما يخص الأفلام المبرمجة في مجمل الأقسام أما إذا احتسبنا عدد الأفلام المعروضة في السوق والذي يتجاوز الألف فنفهم معنى الوابل المُـربك لمن يتابع مهرجان كان.

لم نتعرض إلى الآن إلا إلى الجانب الكمي فماذا عن بالكيف ؟
من المخاطرة طبعا الحكم على البرمجة والحال أن المهرجان لم يبدأ بعد ولكن يمكن ابداء بعض الملاحظات الأولية في ما يتعلق بالأقسام الرسمية فلا بد من الإشارة إلى عدد السينمائيين المشهورين ذوي القيمة والصيت، هناك ألمودوفار (إسبانيا) والأخوان داردان (بلجيكا) وجيم جارموش (أمريكا) وكان لوتش (بريطانيا) وبريانتي ماندوزا(فيليبين) وكرستيان مونجيو (رومانيا) وشين بان (الولايات المتحدة) وروني دومون (فرنسا) وكزافيي دولان (كندا) وهؤلاء كلهم مجتمعون في المسابقة الرسمية.

إنه من النادر وجود هذا الكم من السينمائيين من الحجم الثقيل في دورة واحدة من مهرجان واحد. حتى وإن لعبت الصدفة دورا فلا يمكن أن يكون ذلك إلا جزئيا، الأمر يتعلق بطبيعة المهرجان الذي مإنفك يطور بعدَه التجاري اذ أنه يحتوي على أكبر سوق سينمائية مقارنة بالمهراجانات الأخرى، هذا لا يعني أن الأفلام المبرمجة تجارية ولكنها تستجيب للإتجاه الثقافي (بمعنى مزج السياسة بالفن) الذي أسس له المهرجان وتتطابق تماما مع روح كان فلا مبالغة في القول إن مهرجان كان أصبح مصنعا لنوع من الشهرة تميزه منتجا لطابع خاص به.

الملاحظة الثانية تخص الحضور الفرنسي فعدد الافلام لا يقل على الأربع (أتحدث دائما عن المسابقة الرسمية فقط) والمتابع للمهرجان يمكنه أن يلاحظ تزايد هذا الحضور في السنوات الأخيرة.

أما الملاحظة الثالثة فهي مرتبطة بالملاحظة السابقة وهو أن الحضور الأمريكي في انخفاض مستمر وكأن بإدارة المهرجان أعادت التوازن في صالح البعد الفرنسي والاوروبي بالأساس، وقد يرجع ذلك للضغوط المتعددة والإنتقادات المستمرة التي يتعرض لها تياري فريمو المندوب العام للتظاهرة.

الملاحظة الرابعة تهمنا بصفة أخص وتتمثل في ضعف تواجد السينما العربية والإفريقية فالأمر معهود والأكيد أنه راجع أيضا إلى النقص في الإنتاج في هذه البلدان، ولكن رأيي أن المسألة لا تخلو أيضا من أبعاد سياسية ثقافية حتى أننا نصرخ فرحا كلما وجدنا فلما أو فلمين من بلادنا وإن كانت في الأقسام الثانوية، كما نغرق في التخمينات السياسية والأخلاقوية حول من أسعفهم الحظ في عرض أعمالهم في مهرجان كان، فيشوب سمعتَهم نوع من الريبة بفعل حسد الزملاء.

طبعا لن أعلق على ما جاء - أو بالأحرى ما لم يجئ - في الندوة الصحفية الرسمية للمهرجان في باريس وعدم ذكر تونس من بين الدول الممثلة في حين أن هناك على الأقل فيلم قصير في المسابقة الرسمية وهو « علوش » للمخرج لطفي عاشور.
ولنا عودة طبعا إلى هذا الموضوع في الأيام القادمة وما ميز وجود السينما العربية هذه السنة.